Advertisement

Main Ad

عازفو الانفاق في اسطنبول بين تحقيق الحلم والواقع

 



في محطة يني كابي التي تعتبر نقطة مركزية في ربط جانبي اسطنبول الآسيوي والأوروبي ، التقينا بناديا التي بدأت لتوها في العزف على الغيتار بألحان هادئة


ناديا روسية الأصل ( 67 عاماً) تعزف في محطات المترو منذ 2012 ، بعد تقاعدها من عملها وانتقالها من روسيا الى تركيا قررت العودة إلى تعلم الموسيقى مجددا وعزفها في الأماكن العامة 


تمارس ناديا العزف منذ صغرها ، شجعتها عائلتها على تعلمها ، من خلال حصص تعليم كانت تأخذها كل يوم بعد الانتهاء من دوامها المدرسي وفي العطل الصيفية احياناً وتقول انها تعتبر العزف بالنسبة لها طقوس يومية تمارسها " احب العزف واحب ان افرح المارين كذلك" 


تعزف ناديا مرتين في الأسبوع وتقضي باقي أوقات فراغها في الاهتمام بالأعمال المنزلية والاستماع إلى الكتب الصوتية والتدريب على الغيتار 


"آلحان كلاسيكية" هكذا تصف عزفها مستلهمة عزفها احيانا من النمط الموسيقي الكوري والأفلام الكورية مثل فيلم "(النصب التذكاري لقصر الحمراء) وتنهي كلامها قائلة " أحاول دوما أن أعزف بشكل أفضل لتقديم موسيقى حقيقية للناس"




ناديا ليست الوحيدة في هذا المجال إذ يعزف العديد من المغنيين والعازفين في المحطات الأكثر اكتضاضا على طول الممرات الطويلة بين المحطات والمخارج , بمعزوفات موسيقية متنوعة من الشعبية التركية التقليدية إلى موسيقى الجاز والروك الحديثة والميتاليك بأنغام مميزة تلفت زائري المكان لإستراق لحظات للاستمتاع بها وتوثيقها  


اوندير افريم المغني الرئيسي في فرقة (كيم) بدأ الغناء والعزف منذ 12 سنة في الأماكن العامة ، دفعه حبه للغناء الى ترك تخصصه بعد سنة واحدة فقط من دخولها للقيام بما يحلم به


" تركت الجامعة في عمر الثامنة عشر لعزف الموسيقى لأنها لن توصلني إلى ما أحلم به" هكذا عبر اوندير، مبتسما اثناء حديثنا معه في إحدى محطات المترو في اسطنبول 


في ذلك الوقت كان اوندير قد كرس كل وقته للعزف في الشوارع والمحطات العامة منفردا حتى تعرفه على أحد أعضاء الفرقة الرئيسي وصديقه المقرب (بارام) مؤسسين لاحقا فرقتهم (كيم) المكونة من أربعة أعضاء


تعزف فرقة كيم أنواع مختلفة من الموسيقى مستخدمين الغيتار آلة العزف الرئيسية، ولكن لم يكن الغيتار هو أول آلة موسيقية تعلم اوندير العزف عليها ، بل الساز أو bağlama وهي آلة عزف تستخدم في الموسيقى الشعبية التركية التي تعود أصولها إلى آسيا الوسطى 




أدرك اوندير شغفه للعزف والغناء من عمر مبكر بدعم من والده الذي حثه على تجربة أنواع مختلفة من الموسيقى، في عمر الثامنة ارسله والده الى دورات متخصصة في العزف على آلة (الساز ) التركية والميتاليكا "واحببت هذا النوع من الموسيقى ثم انتهى بي المطاف في العزف على آلة الغيتار واعزفها منذ ذلك الحين" 


مؤكدا ان العزف هو عمله الوحيد " انا مغني وعازف غيتار احب عزف الموسيقى والغناء وهذا ما أفعله" 


وقاده حبه الموسيقى في تجربة مقطوعات مختلفة على تطوير مهاراته والهامه و انتاج مقطوعات موسيقية مختلفة كالجاز والميتاليك والتركي والانجليزي ، "احب عزف موسيقى السول التقليدية وكذلك موسيقى بوب الثمانينات لمغنين مثل ليورنادو ريتشي ومايكل جاكسون" يقول اوندير معددا أنواع الموسيقى التي يحب العزف على أنغامها 


لم تكن طفولة أوندر سهلة مع صعوبة الحياة المالية تعلم الاعتماد على نفسه بينما يحاول الاستمرار وراء شغفه





الواقع الاقتصادي


فرض الواقع الاقتصادي اليوم للشباب العديد من التحديات إذ وجدوا من العزف في الأماكن العامة فرصة لإيصال موسيقاهم واللحاق بركب العجلة الاقتصادية ، محاولين العزف في كل مكان في محطات المترو والشوارع وأمام الكافيهات ، ويقيم البعض حفله الموسيقي الخاص على المسارح إذا توفرت الإمكانيات لذلك 


حيث يحاول الكثير من العازفين والمغنيين الموازنة بين ما يحبون فعله وبين الواقع المادي الذي فرض عليهم لتوفير احتياجاتهم الأساسية , إذ تمتد ساعات العزف عادة من ساعتين الى ثلاث ساعات , ويكسب العازفون المال حسب اليوم والساعة خلال أيام الأسبوع تتراوح من 200 ليرة تركية إلى 500 ليرة في اليوم


وبينما يجد البعض أن تحقيق حلمهم الفني اليوم أشبه بالمستحيل , يشرح لنا المغني وعازف الغيتار فولكان أوسو عن صعوبة العمل الثابت في هذا المجال والوضع المالي " الحياة صعبة ، فالحرية الاقتصادية للأسف أكثر أهمية في هذه الحياة من الحرية الروحية والنفسية"


ويعزف فولكان مع فرقته "شاين" منذ عام 1995، وصاحبه شغفه في حب سماع الموسيقى في سنوات دراسته الأولى عبر الموسيقى التي كانت تذاع آنذاك في الراديو ويجلس ساعات لسماع الأنواع المختلفة من الألحان


إذ أثرت هذه الألحان على حياته بشكل كبير الأمر الذي جعله يرغب في إسعاد الآخرين كذلك عن طريقها "أريد أن أجعل الناس سعداء وتريح أرواحهم أرواحهم وابعدهم عن ضغوط الحياة"




 

شركات التسجيل


يتواجد أسبوعيا الآلاف من المغنيين والعازفين المستقلين في الأماكن العامة ولكن عدد قليل منهم يحالفه الحظ في إيجاد شركات تسجيل مناسبة ، وقد يستمر البعض لسنوات في العزف دون إيجاد راعي له 


وبسبب هذه الصعوبات من إيجاد شركات تسجيل والتعاقد معها وجدوا بديلا أكثر بساطة في نشر أعمالهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، إذ وفرت المنصات سهولة نشر الاغاني وتعريف المغنيين بأنفسهم وحصد الآلاف من المتابعين من جميع أنحاء العالم و امكانية كسب المال من خلال منصات مثل "سبوتيفاي" و"آبل ميوزيك" و"ساوند كلاود"


وأصبحت هذه المنصات الوسيلة الأقرب والأسهل لهم في حين يكون التعاقد مع شركات التسجيل مع مهمة ضخمة من التجديدات و التقيد بنمط معين تفرضه هذه الشركات من أجل الاستمرار في السوق، فاختار البعض إنتاج موسيقاه الخاصة بعيدا عن دوائر الإنتاج التقليدية لممارسة ما يحبون فعله بهدف اختبار ردود أفعال الجمهور على ألحان جديدة


وهو ما دأب عليه اوندير وفرقته في تسجيل ونشر موسيقى جديدة بألحان مختلفة " سننشر قريبا أغنيتان من تأليفنا وتلحيننا في شهر التاسع من هذا العام" 


ومع ذلك يأمل العديد من الموسيقيين إيجاد شركة تسجيل والتعاقد معها ، قائلين ان الامر لا يتعلق فقط بالموهبة إنما " القليل من الإلمام ، القليل من الحظ يجب أن يكون معك دائمًا " 


وتنظم مديرية مترو اسطنبول العديد من الأنشطة الفنية إذ تنتشر الفرق الموسيقية وفقاً لجدول وتخطيط رسمي تضعه المديرية في مواقع معينة داخل 21 محطة ، إذ يعطى العازفون من ثلاث الى اربعة ساعات للعزف خلال ثلاث مرات في الأسبوع 


ويختار العازفون عن طريق تجارب آداء تضعها البلدية لهم ، في حال كان غنائهم أو عزفهم ضمن المعايير يسمح لهم حينئذ بالغناء في محطات المترو




الموسيقى المستقلة


بدأ مصطلح موسيقى "الأندرجراوند" في الستينات في الغرب وأمريكا تحديدا لارتباطها في الطرق ما تحت الأرض ، أطلق على مختلف الحركات الفنية كالثقافة المضادة للهيبيز والعقاقير المخدرة والحب "الحر" ، وكذلك للإشارة إلى أن محتوى الموسيقى غير قانوني أو مثير للجدل ، مثل فرق “death metal" في أوائل التسعينيات في الولايات المتحدة بسبب أغلفتها وموضوعاتها الغنائية 


لكن في العقود الأخيرة تم استخدام المصطلح للتعبير عن حركات المقاومة و التي لا تنتمي بالضرورة للون معين من الموسيقى , ولكنها تتشابه في التعبير عن قيم الحرية كجزء من الثقافة البديلة التي كان يخلقها الشباب في ذلك الوقت بعيداً عن القنوات التقليدية لتقديم الفنون  ، ومواجهة الحركات الشبابية السلطة التجارية المتحكمة في منافذ الموسيقى كالمنتجين وأصحاب المسارح والمؤسسات الفنية بعيداً عن إطار الأغنية العاطفية السائدة المسيطرة على الساحة الموسيقية المُحتفى بها إعلاميًا




امتد تأثير "الاندرجرواند" بشكل كبير إلى بريطانيا وبدأ الهواة بالعزف في محطات المترو الانفاق وهذه الخطوة البسيطة وحدها كانت كفيلة لجعلهم رواد حركة الـ"Under Ground"، وتشكلت الفرق الموسيقية تباعا في باقي الدول الأوروبية تقدم فنونها في الشوارع الخلفية ومحطات مترو الأنفاق


تعددت الآراء حول تسمية هذا النوع من الموسيقى بين "الاندرجرواند" و"الموسيقى المستقلة" موسيقى التيار السائد أو ما يسمى بال"mainstream “ ، إذ يشار الى موسيقى التيار السائد بأي موسيقى مستقلة منتشرة ويمكن سماعها في أي  فضاء مفتوح ، اما "الاندرجرواند" تعرف بالموسيقى المحصورة في بقعة معينة ما تحت الأرض

Post a Comment

0 Comments