photo by camilo jimenez from insplash |
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا تاركا العديد من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى وبقاء العديد بدون منازل في العراء, انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحادثة وقرر بعض المؤثرين تكريس حساباتهم للتغطية والقيام بالمساعدات بأكبر قدر ممكن تحت ترند موحد
ولكن مع كل حدث يقع ينتقد العديد داخل المنصات كل من لم يتحدث أو يشارك, ومن هنا يقع التفكير هل يجب على الجميع المشاركة في الترند؟ وهل يجب على الجميع مشاركة نفس الرأي؟ وهل يحدد المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي مدى اهتمام الشخص بالحادثة؟ وهل تحدد القضايا الإنسانية بكثرة الترند؟ اسئلة كثيرة يجب ان نجيب عنها بحكم منطقي وليس انتقادي
عند وقوع اي حدث لا تستطيع إمساك نفسك عن الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي إذ بات كل شخص عبارة عن صحفي مستقل بذاته، وهذا الضخ الهائل من المعلومات والصور والفيديوهات التي ترافق الحدث يساهم في تأثرك بالحدث شئت أم أبيت
إذ تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي أول أيام من الحدث بأخبار مكثفة ومنشورات مستمرة ويصبح الجميع مفكرا ومحللا مبديا تحليلاته السياسية غالبا والاجتماعية والجغرافية كذلك, وتتصدر السياسة غالبا أكثر المواضيع نقاشا وتفاعلا في عالمنا العربي , وتنتشر شائعات عديدة لا صحة لها وربما أكثر الطرق انتشارا للشائعات هي الواتس اب, وفي حال لم تكن لديك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ستسمع وترى بالتأكيد ما يقال وينشر ممن حولك, وينتقل التأثير من العالم الافتراضي إلى الواقع ويصبح الموضوع اكثر تداولا في أحاديث الناس اليومية
من الطبيعي اي شخص ان يتأثر ويتفاعل ويؤثر في ذات الوقت ولكن حول العالم اليوم التفاعل الطبيعي إلى تفاعل مزيف ينم أحيانا عن فراغ ورغبة في الظهور
وبعد مدة مهما كان الحدث عظيماً، لو كان انفجاراً دمّر نصف مدينة أو رجلا ذبح امرأةً على مدخل الجامعة، كل ذلك يذهب طيّ النسيان بعد أيامٍ قليلة من انتهاء الحدث او على الاقل ينتهي في العالم الافتراضي وكأن شيئا لم يكن
اذاً هل أصبح ارتباط القضايا الإنسانية بالحدث فقط
بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي واضافة خاصية القصص السريعة أصبح الجميع يشارك كل تفصيل يقوم به، كل فكرة تخطر على باله, التي أنتجت تفاعلا كبيرا بين الناس و انتهاكا للخصوصية في ذات الوقت وبسبب هذه السرعة يتوقع الجميع مشاركة جميع ما يحدث في العالم
و هذه الوتيرة السريعة ساهمت في الانخراط بالترند، السرعة في الانتباه والاهتمام والشعور والتعليق والتفكير والبحث، المحدودة كلها في وقت قصير، هذه السرعة المهولة تفضي غالباً إلى النسيان, دون ان يكون هناك دقائق التوقف والتفكير يجري كل شيء بسرعة في هذا العالم
بدوره رأى المنظر الأمريكي هربرت سايمون عام 1970، أنه كلما ولّدت المجتمعات المعلومات ونشرتها، قلت القدرة على استيعاب هذه المعلومات، والقدرة على تلقيها ومعالجتها وفهمها. لذلك خلُص إلى القول إن المجتمعات الغنية بالمعلومات هي مجتمعات تفتقر حكماً إلى الانتباه.
وأصبحت القضايا الإنسانية أمر على هامش حياة الناس المكرسة باستمرار لأنفسهم، حيث ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز الفردانية, ويظهر الاهتمام المتزايد عند وصول الحدث في الموضوع الأكثر تداولا من الجيد ان نرى هذا الاهتمام بالقضايا الكبرى بسبب الترافيك فهي ضرورة دون شك , ولكن من المهم فهم كيفية التعامل مع القضايا الانسانية والاخلاقية ، يجب ان لا ينسينا ضغط الملفات الكبرى القضايا الأخرى، فالتفاعل مع أي حدث إنساني هو بالطبع أمر رائع وجميل وضروري كي لا يفقد الانسان انسانيته وهو جزء أساسي من كوننا بشرا أن نتأثر ونؤثر، أن نفهم ونشعر بما يشعر به الآخرون
اذ تغير مفهوم الحدث الانساني والاهتمام بحالة انسانية بشكل كبير مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي, و اصبحت للبعض اشبه بعمل تدر باللالاف لمن ينشر ويروج , واصبح في الواقع يتهافت بعض الناس على تصوير الحادثة دون اي اعتبار للحدث بطريقة بشعة تنم عن اللانسانية
اذ خلق عصر مواقع التواصل الاجتماعي نوعا من معايير معينة تقول لنا ان هذا ما يقدره المجتمع، وتقبل انت وفقا لهذه المبادئ اشبه بلعبة اذا تتبعت خطواتها تفوز واذا لم تتبعها خسرت
لكن لماذا يشعر البعض يجب عليهم المشاركة
على الرغم من شعورنا بسلبيات ثقافة الترند وانتقادنا أحياناً للسيل الجارف الذي تمثله المشاركات المكثفة في موضوع أو قضية واحدة، إلا أننا في الكثير من الأحيان نجد صعوبةً في ثني أنفسنا عن التأثر بهذا التيار. فما هو السبب؟
في عام 2004، ظهر للمرة الأولى مصطلح “فومو”(FoMO) وهو اختصار لعبارة “الخوف من تفويت شيء ما”.
شاع استخدام المصطلح في البداية في مجال التسويق، لكنه عرف ذروة شعبيته مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي, حالة عامة تدفع الأشخاص إلى الرغبة في الحضور، في الوجود “الآن وهنا”، حتى ولو افتراضياً، فهي في جوهرها قد تكون نابعة من الخوف من الموت، وإن كان “الموت الرمزي” باختفائنا من الفضاء العام.
وكما نقلق من أن يفوتنا اقتناص فرصة ما، أو المشاركة في حفلة مع أصدقاء، نقلق من أن نفوّت كل ما هو جديد، وإن كان عبر مجرد التعليق عليه, إذ إن نيل الاعتراف من الآخر هو سبب محوري في وجودنا على هذه المواقع والتعبير عن أنفسنا بواسطتها. كما أن اعتراف الآخر هو، بالنسبة لكثيرين، وحدة قياس تقدير الذات.
حيث خلقت هذه الأسباب صورة مزيفة لما ينشر عن القضايا الإنسانية، وحكم قطعي بأن من لم ينشر لا يأبه بشيء، هذا الإعلان المستمر على مواقع التواصل جعلت من الناس تتخذ حكما كهذا والواقع قد يكون مغايرا لذلك تماما
وسط كل الزخم من المنشورات اليومية وخصوصا عند وقوع حدث يصبح الفرد تحت ضغط مجتمعي كبير يضطره إلى النشر وربما قد لا يجد اهتماما حقيقيا نابعا من داخله، وهنا يقع الفرد في أول خطأ هو عدم الصدق مع نفسه و انسياقه مع الزخم المجتمعي، إذ تخلق تصرفات المجتمع الملحة أفرادا تحمل وجوها عديدة، مدعين الاهتمام بقضية سيختفي الحديث عنها بعد مدة من وقوع الحدث
ويأخذ الموضوع بعدا آخر في حال لم يشارك المؤثرين في النشر عن الحدث ، حيث انتقد الناس احدى المؤثرات لعدم نشرها أي شيء بعد أحداث فلسطين الاخيرة متهميها بازدواجية المعايير بسبب تغطيتها المستمرة مسبقا عن الوضع , ولم يضع اي اعتبار لظروف الشخص مسرعين في الطعن والكلام الجارح
و بالرغم من اهمية مشاركة أي مؤثر عن الحدث بسبب وصوله لجمهور واسع ولكن ليس الجميع لديه نفس القدرة في التعبير والإفصاح او نفس الظروف خصوصا في الحديث عن المظالم المجتمعية
اذ ليس مطلوبا من الجميع ابداء رأيه في جميع المواضيع او اتخاذ موقف معين إلا في حال كان على معرفة واطلاع عنها فالشخص ليس منصة إعلامية وليس مطلوبا منه كل يوم النشر والحديث عنه بالعكس الحديث عن موضوع تجهل خلفياته واحداثه قد ينتج تبعات ضارة أكثر من نافعة
كل شيء يمكن أن يحدث في الميديا
في فضيحة انتشرت مؤخراً عن السياحة التطوعية التي يقوم بها بعض الأفراد المدفوعة من مؤسسات كبرى في إفريقيا، حيث يأتي المراهقين من دول غربية يقيمون لعدة أسابيع في مدينة افريقية معينة و يتطوعون في أعمال مثل تدريس اللغة الانكليزية أو بناء بيوت ثم يتصورون مع الأطفال ويشنروها على مواقع التواصل ويعودون إلى بلادهم
وهي صناعة تدر بالمليارات إذ تكلف من 3- 10 الاف دولار ولكن الطريف بالموضوع وجد ان اغلب من يدفع لا يصل للفقراء اصلا اذ يعرض على المراهقين الدفع والتطوع لهم مقابل مساعدة الفقراء، حتى أعمال البناء التي يصورونها للتباهي إذ يأتي خلال الليل عمال المنطقة ويعيدون هدم والبناء من جديد
ويصبح من مصلحة عمال الملاجئ المتعاقدة مع سياحة التطوع أن تبقى مظاهر الفقر بحيث في كل مرة مع وصول مجموعة جديدة من المتطوعين اول ما يشاهدونه هو اطفال مظهرهم مهترئ يعانون من الجوع
وتصبح مواقع التواصل الاجتماعي فرصة لاستخدام الأطفال كمادة للنشر وزيادة المتابعين وتساعد في الظهور كشخص محب للخير
إذ لم تختلف كثيرا فكرة الترند قبل دخول مواقع التواصل الاجتماعي ، كان يأخذ الخبر حيزا كذلك في أحاديث الناس ولكن بطرق مختلفة وتنتهي بعد مدة من حدوثها واقتصرت على مجاميع أصغر أما اليوم يجري على نطاق أوسع, و ثبتت تلك الظاهرة وجودها بقوة مع دخول عالم التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية بشكل مفرط، ما جعله يأخذ مكاناً محورياً في أحاديثنا الخاصة والعامة على حد سواء.
وبالرغم من الجوانب السلبية التي تحملها مواقع التواصل الاجتماعي و لكنها ساهمت في إيصال قضايا الى جمهور واسع من الناس و حركت الرأي العام وأخرجت الناس من عزلتهم الإنسانية إلى معرفة ما يجري في بقاع اخرى من العالم
0 Comments