Advertisement

Main Ad

الإعلام الأمريكي والهيمنة لمسح الهويات

photo by Vidar Nordli-Mathisen from unsplash

 

منذ الثانية عشر من عمري جذبتني الافلام والاغاني الأمريكية بمختلف انواعها , اذ لم يكن في ذلك الحين أحد من جيلي يشاهد الافلام ويستمع للفرق الموسيقية ويجيد الانجليزية بشكل كبير , اشبعت بكل ما في الثقافة الأمريكية والبريطانية على حد سواء , الذي اشعرني في بعض من الأحيان أنني في عالم خاص بي لايفهمه احد , ولكن عند الكبر تناقصت هذه الدهشة, و وتغيرت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وعززها كذلك دخولي السلك الجامعي والتخصص في قسم الصحافة والإعلام 


 اذ نجح الإعلام الامريكي في رسم صورة معينة عن امريكا و ايصالها لاكبر شريحة ممكنة من الناس، وبسبب هذه الصورة البراقة التي ترسخت في ذهنك ربما بات لديك قناعة بأن أمريكا الشمالية قارة لها امتداد حضاري معتق , وثقافة ممتدة ومتجذرة منذ القدم تماما كما صورت لك افلامها , من الكاوبوي الأمريكي الشجاع الذي يواجه "الاشرار" الى الامريكي الابيض الذي يصارع من اجل ارضه و ترأسه ثورات الاستقلال محققا " الحلم الأمريكي"  , وصولا الى الامريكي الحداثي الملبس في الرأسمالية المستهلك الذي يعيش الحياة في حرية تامة ويفعل ما يحلو له , والعلاقات المنفتحة تماما بدون قيود ، إلى نوعية المعيشة بدءا من المنازل الخشبية المسقفة والسيارات الحديثة وغرف النوم ذي التصاميم الجميلة , وشكل العائلة الأمريكية المثالية , وحتى الأعياد وعلى رأسها (الكريسماس) لها رونقا مذهلا في السينما الهوليودية , وأسماء الولايات الأمريكية وثقافاتها المختلفة من ساحة تايمز سكوير الشهيرة و شوارع نيويورك وازقتها ومبانيها المشهورة وممشى هوليود للشهرة , كل هذا دون أن تزورها 

عمر أمريكا 

أسست أمريكا كدولة قبل مئتي عام بالضبط  وكتب الاستقلال الرسمي لها عام 1776 بعد "الثورة" على الاستعمار الأوروبي الذي وجد من اكتشاف قارة جديدة ثروة عظيمة بالنسبة له , فبعد ابادة ما يقارب نصف السكان الأصليين وتصويرهم على أنهم شعوب همجية ,استقر بها الاوروبي الابيض محفزا هجرة كبيرة للشعوب الأوروبية في الهجرة الى القارة الجديدة مع بعض الافارقة الذين نقلوا من القارة السمراء كعبيد للعمل في مزارع البن والقطن والكاكاو وفي مناجم الذهب والفضة 


إذ تشير بعض الدراسات إلى أن أعداد السكان الأصليين للأمريكتين كانت تتراوح بين 10 ملايين إلى 100 مليون


 ويمكن القول بأن الشعب الأمريكي شعب مهاجر لا حضارة له غير حضارة السكان الأصليين , ولكن تفوق أمريكا بعد الحرب العالمية والعمل على تحسين صورتها و تربعها على عرش الدول في الهيمنة الحضارية والثقافية , ساعدها في خلق حضارة جديدة متوافقة مع سياستها المستقبلية , مقصية بذلك نصف حضارات العالم وتصويرها على أنها شعوب بدائية , والحقيقة هي إن المناطق الجغرافية خصوصاً قارتي آسيا وأفريقيا لها امتداد حضاري عظيم شكل عالمنا اليوم , إذ سجل أول ظهور للإنسان فيها وأقدم الحضارات المعروفة في العالم ظهرت منها 


ولكن في السنوات الاخيرة خفتت هالة (العظمة) على أمريكا وانتشر وعي عند الكثير من الناس عن تأثيرها , بالإضافة الى التغير الكبير الذي طرأ على العالم بعد دخول وسائل التواصل الاجتماعي ، اذ لم تصبح الصورة الوحيدة هي ما تنسجه لك أمريكا فقط 



هوليوود والصورة


في القرن العشرين هيمن الإعلام الأمريكي بشكل كبير على الساحة ، ممتكلة أكبر ترسانة إعلامية ، ويذكر الباحث والكاتب السياسي مروان سمور في انه تتركز ملكية 90% من وسائل الإعلام الامريكية في أيدي 6 مجموعات إعلامية فقط "فهي تسيطر على ما يشاهده ويسمعه ويقرؤه المواطن الأمريكي والأجنبي معا" 


وتنتج ما يقارب 700 محطة تلفزيونية، و 6700 محطة إذاعية، و150 صحيفة يومية، وصناعة سينما و حوالي 200 فيلم سنوياً وكل هذا يجري في قلب مدينة واحدة هو (هوليود) في مدينة لوس أنجلوس


ويذكر نيثان غردلز و مايك ميدافوي في كتاب (الاعلام الامريكي وحرب القوة الناعمة) أن المجتمع الأمريكى الإعلامى الصناعى ومن ضمنه هوليوود، أعظم عاكس للصورة فى تاريخ الحضارة الإنسانية , اذ ساهمت بالصورة فى كتابة التاريخ الأمريكى والعالمى أيضاً 


على مدى سنوات أصرت السينما الهوليوودية على تصوير الشعوب العربية والاسلامية خصوصا انها شعوب بدائية همجية وإرهابية، لا إنسانية , مكرسة صورة نمطية مكررة تصدرها لمجتمعاتهم , ومساهمة في حالة العداء ضد العرب والمسلمين والنظرة الدونية لهم 


ويقول الناقد السينمائي جاك شاهين في كتابه (الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية ) ان "قرابة 25 في المائة من أفلام هوليود تهين العرب بطريقة أو بأخرى"



 و بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 كرست مؤسسة راند للدراسات الاستراتيجية التابعة للادارة الامريكية والبنتاغون لإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي , وذكرت علنا تهدف لاعادة بناء الدين الإسلامي وذلك لدمجه في المنظومات الديمقراطية الغربية لمواجهة التطرف الإسلامي وعلى اثرها نشرت كتاب الإسلام الديمقراطي المدني 

و يقول احد المسملين العرب المولودين في بريطانيا "ان احداث 11 سيتمبر كانت بمثابة اثبات موقف , اذ لم تكن مجرد عمل ارهابي ولكن بات السؤال اين تقف منها اي اما ان تكون معنا ومع ما نؤمن به ام او ببساطة انت مع الارهاب"

 يعبر هذاعن تطرف استعماري امبريالي في صيغة ديمقراطية لتشكيل الآخر على مرامها , غير مستوعبا لثقافات أخرى تحمل مبادئ وقيم خاصة بهم 

عالم متحضر 

امركة العالم

(امريكا بلاد الحريات , بلاد الفرص , امريكا العظيمة)

 

هذه الشعارات وغيرها روج لها الإعلام على مدى سنوات اذ تبنت السياسات الغربية منذ قيامها مبدأ الديمقراطية والحرية (الاقتصادية و الفردية والمجتمعية) في معناها الواسع , تزامنا مع ظهور الولايات المتحدة على الساحة حاملة شعلة الحرية بعد الحركات التقدمية الاصلاحية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين  


ولكن هل نادت الولايات المتحدة بهذه الشعارات حقا من أجل مبادئ سامية … ربما نحتاج أن نبدأ بسؤال لماذا؟  لماذا شكلت هذه الشعارات حيزا في أسسها كدولة ؟


في واقعها المال يتكلم … انتهى المجتمع الغربي بعد عصور من التغييرات الشاسعة أفضت إلى مناقشات عدة من مفكريها وقادتها إلى علمنة الغرب واتخاذ الرأسمالية المحرك الأساسي لها تزامنا مع الدخول في عصر العولمة , لتصب جميعها في مصالح الشركات الكبرى ، مدركة أهمية الفاعل الاقتصادي في فرض الهيمنة الناعمة على الدول , مغلفة هذه السياسات بشعارات رنانة تبنتها مجتمعاتهم لأسباب عدة 


لأن الحكومات وافكارها ليست منبثقة من حالة غريبة عن المجتمع , والمجتمع ليس بعيدا عن حاضنة بلاده , انتج التطور المزعوم حالة من إنسان ممسوخ ,مصحوب بفراغ فكري وروحي ، ومشاكل يصعب حلها ، في مفاهيم فضفاضة للحريات محصورة في الرغبات واللذات , مؤطرة التقدم في كل ما هو مادي ، فالنتيجة المنطقية ان يتحول المجتمع الغربي الى حاملا لهذه العقيدة ومصدرا لها


ويوضح نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي والمنتقد لسياساتها في كتابه ( الربح مقدما على الشعب) ان أمريكا  تنافس من أجل كسب القلوب والعقول وان الصراعات التاريخية الحقيقية من اجل الديمقراطية ما هو الا صورة معاصرة لكفاح القلة الغنية من اجل تطويق الحقوق السياسية والقوى المدنية للاكثرية 


مؤكدا ان " الولايات المتحدة كانت ولا تزال الاقتصاد الأهم في العالم قبل وقت من اندلاع الحرب العالمية الثانية ومع نهاية الحرب العالمية امتلكت أمريكا نصف ثروة العالم وامتلكت قوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم وكان في نية كبار مهندسي السياسة استخدام هذه القوة لإرساء نظام عالمي يتوافق مع مصالحهم"



ويقول الكاتب واستاذ العلوم السياسية Muhittin Ataman ان" الحكومات الغربية عبر التاريخ حرصت على إظهار نفسها صاحبة قيم ومبادئ ليبرالية في علاقاتها الخارجية، عندما تكون فقط في موضع متميز تنافسي. ولكن الكراهية الحقيقية والعزلة والتغريب تظهر جليةً عندما تمر هذه الحكومات بأزمات كبيرة أو تجد نفسها في وضع معقد وصعب

مع تأكيدة على "أن الحكومات الغربية التي لا تقيم وزناً للأديان، لا تحترم الشخصيات الدينية المقدسة بما في ذلك عيسى عليه السلام. ولا يوجد أية حدود للمنابر الإعلامية الغربية فيما يتعلق باحترام الأديان والعقائد. لذلك نجدهم يتداولون رسوماً متحركةً تهين حتى شخص المسيح عليه السلام. فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نتوقع ممن لا يحترم شخصياته المقدسة أن يحترم الشخصيات المقدسة للآخرين! "


وفي اطار هذ النظرة الواحدة الضيقة والمتعالية , بات كل من يخالف قناعاتهم هو "متخلف ورجعي" 


و ظهر هذا الفكر جليا اليوم في كأس العالم لكرة القدم المقيم في قطر, بعد نشر دولة قطر قائمة من القوانين (وتشكر على هذه المبادرة) يلتزم بها القادمون , إذ لم تمر هذه القوانين من قبل الدول "الديمقراطية" مرور الكرام , اقيمت حملة شرسة لمقاطعة كأس العالم , بسبب اعتراضها على القوانين التي حددتها الدولة المستضيفة المعبرة عن مبادئ وقيم دينية ومجتمعية , ومنها مسألة الشذوذ و العمالة الاجنبية , وعلى قدر أهمية الموضوع فيما يخص العمالة الاجنبية , ولكن من السخرية والتناقض أن تتحول فجأة من دول تدعي "حرية الاخر" الى دول تفرض على الشعوب جمعاء "الاقل منها" الحرية كما تراها هي , دون أن يحاسبها أحد ودون أن يعترض عليها أحد


وبعد السرد الطويل في وصف الجو العام الغربي ، ولاني اؤمن ان الناس متنوعة و مختلفة و من الخطأ وضع قالب واحد للمجتمعات جمعاء ، يعارض الكثير من هذه الأفكار التي أنتجتها لهم مجتمعاتهم  متمسكا بمبادئه ومعتقداته , ولكن يخشى العديد منهم في التعبير عن رأيه بصراحة في حال معارضته للفكر الاجتماعي العام 

ففي دراسة لمعهد كاتو الأمريكي أن ما يقرب اثنين من كل ثلاثة أمريكيين يخافون مما يمكن أن يحدث لهم إذا أعربوا عن رأي غير منتشر


Post a Comment

0 Comments